الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في تحلل من لا شعر على رأسه

السؤال

شخص حلق رأسه، وبعد ذلك جاء في تفكيره أو تفكر بأداء عمرة أو حج وبعد إتمام السعي (الصفا والمروة) ماذا يجب عليه أن يفعل في مثل هذا الحال؟ إلى الآن لم تنبت شعرات رأسه قط هل هذا يحمل حكم من كان مريضا أو أذى في رأسه؟ وما هو حكم من كان مريضا أو به أذى في رأسه هل يقوم بعمل صالح بمقدار معين محدد أم ليس بمقدار معين محدد أيضا قال سبحانه وتعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك. وما هو النسك كما قال سبحانه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن حج أو اعتمر ولم يكن على رأسه شعر بأن كان محلوقا أو كان أصلع فالمستحب له أن يمر الموسى على رأسه، وليس ذلك واجبا، ولو نبت شعره بعد ذلك لم يلزمه شيء.

قال النووي رحمه الله: إذا لم يكن على رأسه شعر بأن كان أصلع أو محلوقا فلا شيء عليه فلا يلزمه فدية ولا إمرار الموسى ولا غير ذلك لما ذكره المصنف، ولو نبت شعره بعد ذلك لم يلزمه حلق ولا تقصير بلا خلاف لأنه حالة التكليف لم يلزمه، قال الشافعي والأصحاب: ويستحب لمن لا شعر على رأسه إمرار الموسى عليه، ولا يلزمه ذلك بلا خلاف عندنا. انتهى.

وقال أيضا مبينا مذاهب العلماء في هذه المسألة: من لا شعر على رأسه لا حلق عليه ولا فدية، ويستحب إمرار الموسى على رأسه ولا يجب، ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على أن الأصلع يمر الموسى على رأسه، وحكي أصحابنا عن أبي بكر بن داود أنه قال: لا يستحب إمراره وهو محجوج بإجماع من قبله. وقال أبو حنيفة: هذا الإمرار واجب، ووافقنا مالك وأحمد أنه مستحب. انتهى.

وليس لهذه المسألة تعلق بقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. {البقرة:196}.

فإن هذه الآية تفيد إباحة الترخص بالحلق أو التقصير لمن كان يتأذى بالشعر لكثرة القمل أو نحو ذلك، فرخص له الله تعالى في إزالة الشعر مع لزوم الفدية، وهي على التخيير المذكور في الآية والذي بينته السنة كما في حديث كعب بن عجرة الثابت في الصحيحين والذي كانت قصته سبب نزول الآية، بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذبح شاة، فالنسك المذكور في الآية هو ذبح شاة كما دل على ذلك حديث كعب بن عجرة في سبب نزولها وليس هو مخيرا في فعل ما شاء من القرب، بل التخيير منحصر في هذه الثلاثة فقط.

فعن عبد الله بن معقل قال: قعدت إِلَى كَعْبٍ - رضي الله عنه - وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ: فَقَالَ كَعْبٌ رضي الله عنه: نَزَلَتْ فِىَّ كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً ». فَقُلْتُ لاَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) قَالَ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ. قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة