الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضابط الطيبات والخبائث من الأطعمة

السؤال

هل كل طاهر حلال أكله؟ وهل كل مستقذر طاهر يحرم أكله باعتبار أنه من الخبائث؟ لأنه مثلًا قد يكون في اليد مخاط أو عرق أو أوساخ من الجسد، ويتم مسح اليد ببعضها، ثم الأكل، ولكن يكون الأثر باقيًا أو يكون بقي شيء يسير باليد.
وما هو ضابط المستقذر لو كان حرامًا؛ هل هو العرف في زمننا نحن أم في زمن العرب السابقين؟ وهل يعفى عن يسيره؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل في الأشياء الطاهرة إباحة الانتفاع بها في الأكل وغيره؛ للأدلة العامة من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً {البقرة:168}، وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29}.

وما رواه أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه. حسنه الألباني.

فلا يحرم استعمال الطاهر إلا ما كان منه مضرًّا أو مسكرًا؛ قال الحجاوي الحنبلي في زاد المستقنع في أول كتاب الأطعمة: الأصل فيها الحل، فيباح كل طاهر لا مضرة فيه. اهـ
وأما الطاهر المستقذر: فيكره أكله -عند بعض أهل العلم- كراهة تنزيه؛ قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: يكره أكل الغدة وأذن القلب على الصحيح من المذهب. قال ابن قدامة في المغني: لأن النفس تعافهما وتستخبثهما. وانظر الفتوى رقم: 153581.
وضابط المستقذر يرجع فيه إلى عرف أهل كل زمان ومكان، فالعرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ فما استقذره أهل بلد وتعارفوا على استقذاره قد لا يستقذره آخرون، فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب وعافته نفسه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، مع أن بعض الصحابة يأكله، كما جاء في صحيح مسلم؛ فدل هذا على أن بعض الناس قد يعاف شيئًا أو يستقذره، وليس ذلك دليلًا على تحريمه.

وأما ضابط المستخبث المحرم: فقد اختلف أهل العلم في تحديده؛ فذهب كثير منهم إلى أن ضابطه هو: ما استخبثه عرب أمصار الحجاز دون غيرهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، واستدلوا له بقول الله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف:157}. قالوا: فهم المخاطبون بهذه الآية.

وذهب المالكية ومن وافقهم إلى أن ضابط الخبيث المحرم هو: ما حرمه الله مما كان خبيثًا بذاته مما فيه ضرر على الأبدان أو العقول. قال القرطبي في التفسير: "مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الطَّيِّبَاتِ هِيَ الْمُحَلَّلَاتُ، فَكَأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطِّيبِ، إِذْ هِيَ لَفْظَةٌ تَتَضَمَّنُ مَدْحًا وَتَشْرِيفًا. وَبِحَسَبِ هَذَا نَقُولُ فِي الْخَبَائِثِ: إِنَّهَا الْمُحَرَّمَاتُ".

وجاء في شرح زاد المستقنع لحمد الحمد: "مذهب الجمهور أن ما استخبثه العرب ذوو اليسار من سكان الحاضرة في المدن والقرى أنه محرم، وهذا مذهب أحمد في المشهور... ومذهب مالك أنه ليس حرامًا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: (وهو قول أحمد وقدماء أصحابه). وهذا هو الراجح في هذه المسألة ... لأن هذا لا يوافق أصول الشرع -فلا يمكن أن يحرم الشرع شيئًا على العجم وهم يستطيبونه لكون العرب يستخبثونه. وعليه فمعنى الآية: {يحل لهم الطيبات} أي: كل طيب مما أحله الله عز وجل فهو طيب، ويحرم عليهم كل خبيث مما حرمه الله عز وجل فهو خبيث".

وما كان من الخبائث المحرمة فقليله وكثيره سواء في الحرمة، إلا في حالة الضرورة؛ فإنه يعفى عما تلجئ إليه، بحسبها، كما قال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني