الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في حد النفقة الواجبة للزوجة

السؤال

سؤالي بخصوص النفقة على الزوجة: قرأت أن النفقة الواجبة فقط في المأكل والملبس والمسكن، وأي شيء آخر فهو غير واجب على الزوج: فبخصوص التزامات السيدات لاهتمامهن بشعرهن ورائحتهن... وكروت شحن الموبايل، فمن يأتي المرأة بهذه الأشياء؟ فأنا مغتربة مع زوجي ولا أعمل حاليا، وهو دائما يتصدق على الفقراء، فهل يجوز أن يقتطع جزءا من أموال الصدقة لتلبية احتياجاتي من ما أسميها رفاهيات وليست أساسيات، وهو ليس ملزما بها؟ فمرارا وتكرارا ألح عليه لتلبية هذه الاحتياجات دون جدوى، وأشعر بالذل والمهانة، لأنني لم أعتد على ذلك في بيت أهلي؟ وإذا كان ذلك يجوز، فهل يأخذ نفس الثواب أم ثوابا أقل من صدقته على الفقراء؟ وفي بيت أهلي كانت دائما لدينا خادمة وأمي تقوم فقط بالطبخ، فهل يحب على زوجي إحضار خادمة لي تساعدني في نظافة المنزل مرة كل أسبوع، حيث يرفض بحجة توفير المال؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالنفقة واجبة للزوجة على زوجها، وهنالك تفاصيل كثيرة للفقهاء في ماهية هذه النفقة، وهل تختص بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن، أو يتعدى ذلك إلى أمور أخرى قد تحتاج إليها، فمن الفقهاء من ضيق في ذلك، ومنهم من وسع حتى أنه أدخل في النفقة ما تحتاج إليه من المشط والدهن لرأسها والسدر أو نحوه مما تغسل به رأسها، وأدخل بعضهم الطيب الذي تستعمله لقطع الرائحة الكريهة، جاء في الفتاوى الهندية: يجب لها ما تنظف به وتزيل الوسخ كالمشط والدهن وما تغسل به من السدر والخطمي وما تزيل به الدرن كالأشنان والصابون على عادة أهل البلد، وأما ما يقصد به التلذذ والاستمتاع مثل الخضاب والكحل، فلا يلزمه، بل هو على اختياره إن شاء هيأه لها وإن شاء تركه، فإذا هيأه لها فعليها استعماله، وأما الطيب: فلا يجب عليه منه إلا ما يقطع به السهوكة لا غير، ويجب عليه ما يقطع به الصنان... اهـ.

وفي الشرح الصغير للدردير المالكي: وزينة تستضر الزوجة بتركها ككحل ودهن من زيت أو غيره معتادين، لا غير معتادين، ولا غير ما يستضر بتركها، ومشط بفتح الميم: ما يخمر به الرأس من دهن وحناء ونحوهما، وأما المشط بالضم وهو الآلة كالمكحلة: فلا تلزمه. اهـ.

وفي كتاب الحاوي للماوردي الشافعي: تستحق في نفقتها على الزوج ما تحتاج إليه من الدهن لترجيل شعرها وتدهين جسدها اعتبارا بالعرف، وإن من حقوقه عليها استعمال الزينة التي تدعوه إلى الاستمتاع بها، وذلك معتبر بعرف بلادها فمنها ما يدهن أهله بالزيت كالشام فهو المستحق لها، ومنها ما يدهن أهله بالشيرج كالعراق، فهو المستحق لها، ومنها ما لا يستعمل أمثالها فيه إلا ما طيب من الدهن بالبنفسج والورد، فتستحق في دهنها ما كان مطيبا. اهـ.

وجاء في مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي: وكذا لا يلزمه ثمن طيب وحناء وخضاب ونحوه، كثمن ما يحمر به وجه أو يسود به شعر، لأنه ليس بضروري، وإن أراد منها تزينا به أي : بما ذكر أو أراد قطع رائحة كريهة وأتى به أي: بما يريد منها التزين به أو بما يقطع الرائحة الكريهة لزمها استعماله. اهـ.

وعلى أية حال، لا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته ما قد تحتاج إليه، وخاصة إن كان لا يجحف بماله، فهذا مما تقوى به المودة بينهما، فينعكس ذلك على سعادة الأسرة واستقرارها.

وبخصوص الخادمة: قد بين الفقهاء أن المرأة إن كانت ممن جرت العادة بأن مثلها لا يَخدِم، وجب على الزوج ـ حينئذ ـ أن يوفر لها خادمة تخدمها، جاء في مغني المحتاج في الفقه الشافعي: ويجب عليه لمن ـ أي لزوجة حرة ـ لا يليق بها خدمة نفسها ـ بأن كانت ممن تخدم في بيت أبيها مثلا، لكونها لا يليق بها خدمة نفسها في عادة البلد كمن يخدمها أهلها أو تخدم بأمة أو بحرة أو مستأجرة أو نحو ذلك ـ لا بارتفاعها بالانتقال إلى بيت زوجها، إخدامها، لأنه من المعاشرة بالمعروف. اهـ.

وقال ابن قدامة الحنبلي: فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها، لكونها من ذوي الأقدار أو مريضة وجب لها خادم. اهـ.

فإن كنت في بيتك تخدمين، فلا يجوز لزوجك الامتناع عن القيام بهذا الواجب وتوفير الخادم بحجة أنه يريد جمع ما للمستقبل، وكونه يحسن إلى الناس ويساعد الفقراء، فهذا أمر حسن، وزوجته أولى بمعروفه، وإنفاقه عليها أعظم لأجره، روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك.

وروى أحمد الترمذي والنسائي وابن ماجة، عن سلمان بن عامر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني