الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين قرب الله من عباده ونزوله إلى السماء الدنيا

بين قرب الله من عباده ونزوله إلى السماء الدنيا

بين قرب الله من عباده ونزوله إلى السماء الدنيا

من معتقدات أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائنٌ من مخلوقاته، وهو مع ذلك مع عباده أينما كانوا: يعلم ما هم عاملون، واستواؤه على عرشِه ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، نكتفي منها بذكرِ قولِه سبحانه: {الرحمن على العرش استوى} (طه:5).

ومع الإيمان بهذا العلو وتلك المباينة من الخلق، إلا أن الله سبحانه قريبٌ من عبادِه قُرْباً يليق بعظمته ومكانته، قال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، وله نزولٌ إلى السماء الدنيا كلّ ليلةٍ في الثلث الأخير منها، كما في "الصحيحين" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ينزل ربنا جل وعلا حين يكون ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟) وكذا نزوله سبحانه يوم القيامة في ظللٍ من الغمام يوم القيامة.

والمقصود هنا: البحث في هاتين الصفتين الإلهيتين: -القرب والنزول- من حيث بيان العلاقة القائمة بينهما، وأوجه الاتفاق والافتراق بين معانيهما ودلالاتهما، فنقول:

أوّل ما يربط بين صفتي القرب والنزول: كونهما يندرجان تحت باب ما يُسمى بالصفات الاختياريّة، والمقصود بها: أفعال الله تعالى التي تتعلق بمشيئته وإرادته واختياره؛ فإن شاء فعلها، وإن لم يشأ لم يفعلها، أما النزول: فالله تعالى شاء أن ينزل إلى عبادِه نزولاً يليق به في الثلث الآخر من الليل، أو للفصل بين العباد يوم القيامة، وكذا صفة (القرب) في بعض صورِه فهو اختياريٌ لتعلّقه بالمحسنين من عبادِه، ومن أهل السجود حين قيامهم به، كما صحّ بذلك الحديث.

وثاني ما يربط بين هاتين الصفتين: عدم منافاتهما لاستواء الله على عرشِه، فنزول الله إلى سمائه الدنيا، أو إتيانه يوم القيامة لا يستلزم خلو العرش منه -والعياذ بالله-، ولا يُقال أيضاً: إن قرب الله يتناقض مع علو الله على عرشه؛ ولذلك تجد في كلام السلف ما يجمع بين إثبات هاته الصفات دون استلزام وجود تناقض بينها، حتى جاء الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنـه قوله: الحمد لله الذي دنا في علوّه.

يقول زكريا الساجي: "السنة التي رأيتُ عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم، أن الله سبحانه وتعالى على عرشِه في سمائه، يَقرب من خلقه كيف شاء".

ومما يربط بين هاتين الصفتين، أن الطوائف التي أنكرت نزول الرب جل جلالـه، أو حرّفت معناها، ولم ترضَ أن تُثبتها كما جاءت، أنكرت صفة (القرب) الإلهي ممن شاء من عبادِه، وهي الطوائف التي أنكرت الصفات الاختياريّة وقيامَها بالذات الإلهيّة.

ويمكن القول: إن صفة النزول الثابتة في النصوص تندرج تحت معنى القرب الإلهي في بعض صورِه، فهو قربٌ خاص تقتضيه النصوص، وهذا ما فهمه بعض العلماء كابن رجب الحنبلي حيث قال في معرض الحديث عن صفة النزول: "..وهكذا القول في أحاديث النزول إلى السماء الدنيا، فإنه نوع قرب الرب من داعيه وسائليه ومستغفريه".

وهل يُقال: إن صفتي القرب والنزول هما بمعنى واحد؟ فالجواب: إن القرب في لغة العرب أعم من معنى النزول: فيُقال لكل من نزل إلى أحدٍ بأنه قَرُب منه، في حين أن القُرب لا يستلزم النزول، كمن يقرب من شخصٍ في أعلى الجبل، فلا يُقال بأنه نزل إليه، ولكن صعد إليه.

وعليه يُقال: قد يقرب الله تعالى من بعض عبادِه، ولا يلزم من ذلك نزولَه إليهم، كالقرب من الداعي ومن الساجد، بينما يستلزم نزول الخالق جل وعلا قربَه منهم؛ لأن النزول يتضمن معنى القرب، ومع ذلك فإن قرب الله تعالى ونزوله لا يكونان إلا من علو، لأنه سبحانه فوق كل شيء، وهو بكل شيء عليم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة