الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تزوجت بأخرى وتعرضت لمصاعب من الأولى، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا رجل متزوج من اثنتين، الأولى منذ 13 عاماً، والأخرى منذ 3 أعوام. بفضل الله استطعت المرور من الأزمات في بادئ الأمر بسلام.

سؤالي يتلخص في أني اتجهت للزواج الثاني بسبب أن زوجتي لا تعفني، وهي مهملة في نفسها وفي بيتها من جميع الجوانب، إلَّا أنه بسبب وجود أبناء لم أتخل عنها أو عن أبنائي، وقررت الزواج بأخرى لأحفظ نفسي، وأبعد عن الانخراط في الحرام -وبفضل الله وكرمه- عوضني الله بأكثر ممَّا تمنيت؛ ولأني أخاف الله؛ أشق على نفسي لأقصى درجة للعدل بينهنَّ، والزوجة الثانية تعاونني بأن أقوم بواجباتي نحوهنَّ، وللأولى أكثر ممَّا تستحق، ولكنها لا تحمد الله، ولا تشكرني، ولم تتغيَّر، ودائمة التذمُّر، وشيطانها يسيطر على عقلها بشكل كبير، ورغم نصحي الدائم لها، وإظهار حبي الذي يجعلني أشق على نفسي كثيرًا بيني وبين نفسي، وبكل الوسائل، أصبحتْ لا تُقدِّر شيئًا، ولا فعلاً، ولا كلمةً، ولا أي شيء!

لم يؤثر ذلك على محاولتي لإقامة العدل بينهنَّ مهما كلفني الأمر من مشقة، إلَّا أني أصبحت لا أطيق بشكل كبير، واليوم الذي أكون مع الأولى لا يخلو من الضغط النفسي، وكل محاولاتي باءت بالفشل معها، وإن قللت أيام المبيت كان حرامًا!

وأجد نفسي ذليلًا لذلك، ولا أريد فعل شيء محرم أو أظلم أحدًا، ولكن الأمر بات متعبًا للغاية، والأمر ليس مجرد غيرة، فهي زادت في إهمال نفسها، وإهمال بيتها وأبنائها، والبيت أصبح مثل الخرابة، واليوم الذي أكون فيه يضيع وقتي في الترتيب، والتنظيف، وتعليمها قبل تعليم الأبناء، وأهلها لا يرون فيها أي عيب منذ زمنٍ، بل دائمًا العيب فيّ أنا!

أرجو الحل، وهل هناك متخصص يمكن اللجوء إليه؟

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Eslam حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك - أخي الكريم - في موقع إسلام ويب. وردًّا على استشارتك نقول:

أولًا: من رحمة الله تعالى بخلقه أن أباح لهم التعدد في الزوجات لأغراض وأسباب عدة؛ شريطة أن يكون ذلك مما ينفع الشخص كما قال (ﷺ): «احْرِصْ ‌عَلَى ‌مَا ‌يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ».

ثانيًا: ليس من الحكمة أن يقدم الرجل مصلحته الشخصية على مصلحة أبنائه؛ فالشهوة يمكن للمرء أن يكبحها بالصبر والصوم، وغير ذلك، أمَّا تضييع الأمانة التي تحت يديه - وهم الأبناء - فذنبٌ عظيمٌ، وصدق (ﷺ) حين قال: «كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ» أو قال: «‌كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».

ثالثًا: من أقدم على التعدد فلا بد أن يتحمل تبعات ذلك مهما كانت تصرفات زوجاته؛ فالنساء يختلفن في طبائعهنَّ، ولسن على طبيعة واحدة، فبعضهنَّ يُحسنَّ التصرف، ويُحسِنَّ التبعُّل، وبعضهنَّ يهدمن سقف البيت على الأسرة برمتها ولا يهتز لها شعرة.

رابعًا: بعض النساء إذا تزوج عليها زوجها تغيرت نحو الأفضل تَغَيُّرا جذريًّا، وبعضهنَّ يزددن سوءًا على ما كنَّ عليه، فالأولى تريد أن تكسب زوجها، والثانية تضغط عليه ليفارق الزوجة الثانية.

خامسًا: عليك أن تتقي الله في كلا الزوجتين، وتعطي لكل واحدة حقها قدر استطاعتك؛ بحيث تعدل في المصاريف والمبيت، أما الناحية الجنسية فكل واحدة بحسب حسن تبعلها وتجملها، وما تقدمه لزوجها، ومن ذلك أيضًا الحب والميل القلبي، ومن هنا «كَانَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ‌هَذَا ‌قَسْمِي ‌فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»، ويقصد به (ﷺ) الحب والميل القلبي.

سادسًا: لا تنتظر من أي واحدة منهنَّ شكرًا ولا مدحًا، فأنت اعمل ما أوجب الله عليك، وأبشر بالخير، فلعل الله تعالى يهدي قلب من لا تعترف بالجميل، ويقر عينيك بصلاحها.

سابعًا: احتسب الأجر في ما تقوم به من أعمال في بيت زوجتك الأولى، ولعله يأتي الوقت الذي تستحيي فيه حين تراك وأنت تقوم ببعض الأعمال، فتنشط للقيام بما هو من واجبها، واجعل ما تقوم به من أعمال ملهيًا لك عن الملل الذي ستحس فيه فيما لو لم تقم بأي عمل.

ثامنًا: ابتدر هذه الزوجة بالكلام الجميل، وأثن عليها، وتغزل فيها، وغض الطرف عن تصرفاتها، خاصة ما كان سببه الغيرة، وإن كانت مهملة من قبل، لكنها امرأة وعندها غيرة كباقي النساء.

تاسعًا: نوصيك بما يلي:
- اجتهد في تقوية إيمانها من خلال كثرة العمل الصالح، فإن لم تصغ لك فسلط عليها بعض النساء الصالحات؛ فلعل الله يفتح قلبها على أيديهن.

- لا تغفل عن تقديم الهدايا لزوجتك الأولى، ولا يلزم في ذلك العدل بالطبع؛ فالهدية تعمل في القلب عملها؛ كما قال (ﷺ): «تهادوا تحابوا».

- لا بد أن تقوم بتغيير الجو الرتيب الذي تعيشه مع هذه الزوجة، بحيث تدعوها مثلًا لتناول وجبة الغداء في المطعم، أو تأخذها مع الأبناء في نزهة، مع التركيز أثناء ذلك على تجاذب أطراف الحديث معها، ومحاولة إصلاحها، وتغيير بعض سلوكياتها بالتدريج.

- لا تطلب منها أن تغيِّر كل شيء في وقت واحد، ولكن ابدأ بالأشياء التي يمكن أن تُغيِّرها، وتكون سهلة التغيير، ولا تبدأ بالسلوكيات التي هي متأصلة في نفسها؛ فذلك يحتاج إلى صبر ومراس طويل، إلَّا أن يشاء الله تعالى.

- يجب أن تتعامل مع أم أولادك وفق أخلاقها، وأن تجتهد في إصلاحها برفق ولين، وأن تصبر عليها، وأن تُغيِّر أسلوبك في التعامل معها.

- بعض النساء لا ترضى حتى بالعدل؛ لأنها تريد أن يكون زوجها لها وحدها، حتى ولو كانت مقصِّرة في حق زوجها، مع عدم اعتراف المرأة أنها مقصرة.

- لا بد أن تتعرف على الأسباب التي تجعل زوجتك مقصرة في حقك، هل هم الأبناء، أم أن ذلك طبعًا في الأسرة؟ وهل هذا التقصير من بداية زواجك أم طرأ بعد إنجاب الأولاد؟ فإن كان الأول فذلك طبع، ويحتاج إلى وقت لتغيير تلك السلوكيات، وأما إن كان طارئاً، فيمكن توجيهها للكيفية التي يجب أن تكون عليها.

- ينبغي أن تقترب أكثر من والديها، وتقديم شيء من الهدايا لكسب قلبيهما، ومن ثم توضح بعض تقصيرات ابنتهما مع طلب نصحها؛ فلربما كان كلامهما مسموعاً عندها.

- انظر فيمن يستطيع التأثير على زوجتك من إخوانها، أو أخواتها، أو بعض نساء الأسرة، أو صديقاتها، فكلما كان الشخص ممَّن تثق بهم وتقبل نصحهم وتستشيرهم؛ كان تأثيره كبيرًا في حياتها، فاطلب منه أن يأخذ بيدها وينصحها.

- من المهم جدًّا تذكيرها بالله تعالى، وتحذيرها من عقابه بسبب تصرفاتها؛ وذلك بإرسال بعض المقاطع المؤثرة التي تتكلم عن حق الزوج، وعقوبة التقصير أو أذية الزوج.

- جعل بعض النساء الصالحات يوجهنها إلى بعض حلقات العلم، وحضور بعض المحاضرات النسوية؛ فلعل ذلك يكون سبباً في تغيرها.

- احذر من الذنوب وإن صغرت؛ فإنها تكون سببًا في عدم وجود الراحة في الحياة، قال الحسن البصري رحمه الله: "والله إني لأعلم ذنبي في خُلق زوجتي ودابتي"، والذنوب تحرم العبد من الرزق، ومن الرزق استقرار الحياة، وحسن تبعل الزوجة، فقد قال (ﷺ): «وَإِنَّ الرَّجُلَ ‌لَيُحْرَمُ ‌الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا»، أو قال: «إِنَّ الرَّجُلَ ‌لَيُحْرَمُ ‌الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ».

- من السهولة بمكان أن نرمي بالتبعات على الآخرين، فآمل أن تجلس مع نفسك وتنظر في أسلوب تعاملك مع زوجتك؛ فلعلك تكتشف أنك قصرت أو لا زلت مقصراً، وهذا ما سبب إهمالها لنفسها، وتتصف بالصفات التي لا تريدها.

- الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي (ﷺ) فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»، وقال (ﷺ) لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها؟ «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».

- تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل ربك أن يصلح زوجتك، وأن يلهمها الرشد، وأن يلين قلبها، وأكثر من دعاء نبي الله يونس عليه السلام: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله (ﷺ): «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ».

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً