الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أستمتع بشبابي بسبب وقوفي مع أمي.. هل ما فعلته صحيح؟

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي معقدة بعض الشيء، وسؤالي صراحة: هل أنا على حق؟ وهل سألقى جزائي خيراً، أم قد هلكت؟

عشت حياة مليئة بالهم والحزن، في بيئة عائلية كارثية، أبٌ ليس على خلق ولا على دين، للأسف لا يصلي، ولا يقيم حدود الله، ولا يتقيه، لا فينا ولا في الغير، ظلمنا بشكل لا يمكن وصفه؛ لدرجة أني كثيراً من المرات أنقذت أمي من الضرب، وحتى القتل، وفي النهاية إخواني الرجال تركوا البيت، كل واحد منهم رحل وبنى حياته بعيداً بحجة ما سببه لهم من ضياع نفسي، وكان يمكن أن يكون أخلاقياً.

والدتي مريضة أمراضاً مزمنةً، كان لزاماً عليّ أنا البنت الوحيدة أن أظل بجانبها، وفي الحقيقة أنا أنفق عليها ومتكفلة بكافة المصاريف: من علاج، وغذاء، وكسوة، وما إلى ذلك.

أنا لست نادمة، لا أنكر أني تعبت صحياً ونفسياً، واجتهدت في أن أكون البنت البارة لأمي، وما زلت، ولكن الخوف والرعب والوسواس سكن رأسي.

هل أنا على حق؟ هل تضحياتي هذه المادية والمعنوية لها جزاء خير، أم أني سأكون عبرة لمن لا يعتبر؟

لا مالي بنيت به مستقبلي، ولا شبابي استمتعت به، ولا صحتي استطعت أن أحافظ عليها وسط هذه المأساة، نفسيتي منهارة، وقتي يضيع في توفير مستلزمات الحياة كأنني رجل!

لا أعلم إذا كنتم ستفهموني، لكني بالمختصر: اخترت أمي بدل أن أختار نفسي.

فهل أنا على حق؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آسية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هنيئاً لك هذا البر بوالدتك، ونسأل الله -بحوله وقوته- أن يخلف عليك بكل خير، وأن يجزل لك الثواب على هذا الإحسان، فما تقومين به من كفالة والدتك، وتوفير كل ما تحتاجه، لا شك أنه من أعظم البر، ومن أفضل الأعمال الصالحة، وأقرب القربات إلى الله تعالى، جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قالت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) متفق عليه.

وما تمرين به -أختي- من صراعات أسرية، وما يعقبها من همّ وحزن وكدر ونحوه، لا شك أنه من البلاء العظيم الذي يرفع الله به الدرجات، ويمحو بسببه السيئات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه) متفقٌ عَلَيهِ. فكل ما تمرين به من شدة ومن معاناة مع الصبر والاحتساب تؤجرين عليه، ويرفع الله به درجتك يوم القيامة.

أختي الفاضلة: ينبغي أن تكوني حسنة الظن بالله تعالى، محتسبة الأجر والثواب من الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) رواه أحمد. فالله كريم حليم عظيم، لا يضيع أجر من أحسن عملاً، يقول تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً).

أخيراً -أختي الفاضلة-: لا شك أن لك طموحاً في الحياة، ولك حياتك الخاصة التي تتمناها كل بنت، ونحن نشعر بعظيم التضحية التي تمرين بها، ولكن الحياة كذلك مليئة بالابتلاء والامتحان، ولا بد للمؤمن أن يصبر، ويكون عظيم الثقة بالله تعالى، وأن بعد العسر لا بد من اليسر، ومع الكرب يأتي الفرج، فكوني واثقة بوعد الله، وكوني محتسبة العمل والبر بوالدتك لتنالي الأجر وحسن العاقبة بين يدي الله تعالى، ولا شك أنك بسعيك هذا، وبرك بوالدتك على حق وهدى وتوفيق من الله تعالى.

أختي الفاضلة: كوني عظيمة الصلة بالله تعالى، وأكثري من ذكر الله على كل حال، وبادري إلى تلاوة القرآن، والدعاء، والتضرع لله تعالى بأن يعجل لك الفرج، ويفتح لك أبواب الخير، فحسن الصلة بالله تعالى مما يُذهب الهمّ والكرب، وتتيسر به الأمور، وتقضى به الحاجات.

نسأل الله أن يوفقك للخير، ويذهب عنك كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً