الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالإعجاب بنفسي فهل هو من الغرور المذموم؟

السؤال

السلام عليكم.

متى يكون الإعجاب بالنفس محرماً؟ فأنا أشعر بالإعجاب بالنفس، ولكن بلا غرور، وبلا تقليل من قيمة الناس.

أشعر بالعجب في شكلي، وأشياء أخرى، فهل هذا يعتبر شركاً؟ وعندما أقوم بنسيان إضافة النعمة لله، هل هذا يعتبر شركاً، فكلما سنحت لي الفرصة لأضيف النعمة إلى الله أضيفها.

شكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، ونحيي فكرة السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يملأ نفسك أمنًا وإيمانًا وطمأنينة، وأن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح.

من المهم جدًّا أن يقف الإنسان مع نفسه وقفات، فإن الشيطان له نفثٌ ونفخٌ في نفس الإنسان، يتحوّل إلى كِبرٍ وعجبٍ وغرور، فتعوذي بالله من الشيطان الرجيم، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

نهنئك على الشعور بمثل هذا الخلل، الذي هو الإعجاب بالنفس، والعُجب من الأمور الخطيرة؛ لأن العُجب هو أن يتذكّر الإنسان النعمة وينسى فضل المُنعم تبارك وتعالى، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] قال ابن رواحة: "وَاللهِ ‌لَوْلَا ‌اللهُ ‌مَا ‌اهْتَدَيْنَا… وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا".

كل ما نُشاهده من نعم على وجه هذه الأرض يتنعّم بها العباد، هي محض نعمٍ وهباتٍ من الله، فكم من إنسان - رجلًا أو امرأة - إلَّا وقد خرج إلى الدنيا وهو عارٍ لا يملك شيئًا، ويخرجُ من الدنيا كذلك وهو عارٍ إلَّا من قطعة قماش تكون من أمواله، وقد يتصدَّقُ بها بعض الأخيار، والسعادة للإنسان هي أن يعرف مقدار هذه النِّعم، فيشكر واهب النِّعم، ويتواضع لواهب النِّعم سبحانه وتعالى.

إذا ذكّرك الشيطان بالنِّعم، ودفعك لتغترِّي فتذكّري الوهَّاب، الكريم، الذي يُعطينا دون سابق استحقاق مِنَّا، وإذا كان المُرائي بعمله مخالفًا لقوله تعالى: {إيَّاك نعْبُدُ} فإن المُعجب بعمله مُخالفٌ لقوله تعالى: {وإيَّاك نستعينُ}، كما قلنا: لأن العُجب هو تذكُّر النعمة ونسيان المُوفِّق المُنعم سبحانه وتعالى.

سعدنا أن العُجب لم يتحوّل إلى غرور، حتى عندما يعتريك بين الفينة والأخرى، فلا تستغربي من كيد الشيطان، وتعلّمي فقه الشريعة؛ فالفقيهة أشد على الشيطان من ألف عابد، واحمدي الله على كلِّ النِّعم، صغيرها وكبيرها، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

الإنسان عليه أن يشكر، ويحمد، ويُعلن عجزه وتقصيره، قال داود عليه السلام: "كيف أشكرك يا رب وشُكرك أيضًا نعمةٌ منك عليَّ"، قال عز وجل: "الآن شكرتَني يا داود". فإن شعور الإنسان بالتقصير كسرٌ لصنم العُجب، كما أن استغفار الإنسان حتى بعد الطاعات دليلٌ على أنه يُكسّر صنم العُجب في نفسه، ويجبر باستغفاره تقصيره في جنب الله تبارك وتعالى، ويعترف باستغفاره أنه مهما فعل فلن يُؤدّي جزاء نعمة واحدة من نعم الله، كنعمة البصر، أو نعمة السمع، أو غيرها من النعم، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].

سعدنا أيضًا أنك إذا نسيت تذكّرين، فتُضيفي النعمة إلى المُنعم سبحانه وتعالى، فاستمري على هذا، وحاسبي نفسك على كل صغيرة وكبيرة، فإن ممَّا يُخفف علينا الحساب غدًا أن نحاسب أنفسنا اليوم، كما قال عمر - رضي الله عنه -: ‌"حَاسِبُوا ‌أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ وأَيْسَرُ لِحِسَابِكُمْ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتَجَهَّزُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ بين يدي الله سبحانه، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] ".

نكرر لك الشكر على فكرة السؤال، وهو في غاية الأهمية، ونسعد بتواصلك مع موقعك، ونسأل الله أن يرزقك الإخلاص في الأقوال والأفعال والأحوال، وأن يُحسن ختامنا وخلاصنا، وأن يتقبّل مِنَّا صالح الأعمال، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً