الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتوب من ذنوبي وأنسى آثار الماضي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة كنت ملتزمة جدًا، وبعيدة كل البعد عن المعاصي، لا أسمع أغنية واحدة، وابتلاني الله سبحانه وتعالى بالكثير من الذنوب، ومن بين ذنوبي أني حادثت الشباب بسبب صديقتي -هداها الله-، وفي كل مرة أتوب من الذنوب تزل قدمي وأعود لها، ولا أشعر بلذة العبادة ولا العلم، ووالله إني أجاهد نفسي وأحاول الابتعاد عن كل الملهيات، حتى حذفت جميع برامج التواصل الاجتماعي في فترة من الفترات.

أعلم وأقر بذنوبي، ولكني أخاف أن لا يغفر الله ذنوبي، أو يرفع ستره عني ويعلم الناس بأني تحدثت مع شباب كثر. لا أهاب أو أخاف الناس، ولكن الناس لا يرحمون أي أحد، وأخاف على أمي وأبي بأن يتحدث الناس عنهم بسوء.

علمًا بأن بعض صديقاتي وبعض الناس يعرفون بأني تحدثت مع الشباب، وهذا الأمر يقلقني وأخشى من حديثهم عني بسوء، دائمًا أدعو الله سبحانه وتعالى أن من أراد بي سوءاً أن يرد كيده له، ولا يمسني من أذاهم شيء، تعبت من هذا الوضع، ولا أستطيع النوم وأنا أفكر، أريد نصيحة تقربني إلى الله، وأنسى بها ما مضى، أشعر وكأني سأجن من كثرة التفكير!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: لقد عز علينا والله أن نسمع هذا الكلام من أخت لا ينبغي إلا أن تكون داعية! عز علينا ونحن نقرأ رسالتك وطريقة تفكيرك وتدينك الظاهر بين ثنايا حروف رسالتك أن يستدرجك الشيطان حتى تفعلي أفعالًا لا تليق بمثلك، ولا بأهلك ولا بتدينك، عز علينا أن تكوني من أهل الفضل والدين، ومن أهل الصلاح والتدين، ثم يظفر الشيطان بك مرة تلو مرة، وكلما ابتعدت عنه ضعفت له.

كيف لم تنتبهي وأنت الأخت المتدينة إلى خطوات الشيطان؟ كيف لم تدركِي أن الشيطان لا يريد لك أو بك إلا الشر، والوقيعة فيما حرم الله تعالى؟ كيف أمنت السير في طريق التقدم فيه مهلكة، فكلما سرت فيه خطوة عسر عليك التراجع عنها؟

ثانيًا: إن ما فعلتِه من تواصل محرم أمر لا يليق بمثلك، ولأن فضل الله عليك عظيم، ولأن بينك وبين الله حال، ولأن الله يريد الخير لك؛ سترك وأمهلك حتى تعودي سريعًا إليه، وتنطرحي بين يديه، وتبكي ندمًا على ما وقعت فيه، وتعاهدي الله عهدًا لا ينخرم أن يكون ما مضى من الماضي، وأن تبدئي حياة جديدة تعودين فيها إلى الطمأنينة المفقودة، والسكينة الراحلة، والهدوء الذي تشتاقين إليه، وليس ذلك عنك ببعيد -إن شاء الله تعالى-.

ثالثًا: نحن نتفهم تفكير الفتاة في مثل عمرك بالزواج، ونتفهم كيف يلعب الشيطان بعقلها وتفكيرها خاصة إذا كانت متدينة ومن أسرة محافظة، ليس لها سوابق، ولا تعرف مكايد الشيطان وكيف يستدرجها من المكان الآمن لها؛ حيث يظهر لها محاسن من تحدث، وأنه يمكن أن يكون زوج المستقبل، وأن فيه صفات جيدة، وأن سعادة تغمرك حين تتحدثين معه، وأن شوقًا يسربلك حين تبتعدن عنه، هذا مسلسل الهبوط الذي يستخدمه الشيطان مع كل فتاة يريد لها الشر، وهو على ثلاثة مراحل:

1- التفكير الزائد في الشاب حتى يصل بك الشيطان إلى تخيله خلاً.

2- تصور استحالة الحياة بدونه، حتى يصل بك الشيطان إلى التفكير فيه في كل وقت، والانشغال به عن كل شيء.

3- التنازل مع الوقت واحدة واحدة ....... ولا نريد أن نقول ما لا يخفى على مسلمة.

قد تقولين أختنا: مستحيل أن يحدث هذا فأنا متدينة ووضعت حدودًا! هذه كلها أوهام، بل نقول لك: أسرع الناس وقوعًا في هذا المنحدر هم المتدينون لأسباب كثيرة، أهمها صدق الفتاة وغفلتها، وظنها أن الناس كلهم مثلها، أو عدم توقع الشر ممن مالت هي إليه، ونحن نتحدث وأمام أعيننا آلاف الحالات، ولا نقول المئات فقط.

رابعًا: رغم كل ما وقعت فيه من معاص وآثام إلا أن العودة قائمة، والبداية للعودة متاحة، وتستطيعين رغم كل ما حدث أن تحافظي على نفسك وأهلك وتدينك، إذا ما أخذت بهذه النصائح:

أولًا: لا بد أن تعلمي أن طريق العودة شاق في بدايته، لكن عقباه رضوان الله عليك، والنجاة من الفضائح، والفوز بنفسك، والسعادة مع أهلك، لذا فلن يمر الإصلاح بسهولة، أو بلا ألم، لكن الألم الآن أهون ألف مرة من ألم الغد، وألم الغد أهون من ألم ما بعد الغد، وهكذا كلما مر عليك يوم كلما تضخم الأمر، وصعبت عليك العودة.

ثانيًا: التوقف الفوري عن محادثة الشاب خوفًا من الله أولًا، وصيانة لك من الانحدار ثانيًا، ولا تتوقفي عند وهم حديث الشيطان عن الشاب أو مآلات تركه، أو ما سيترتب عليك من إمكانية الحياة بدونه بعد أن تعلقت به، كل هذه أوهام صنعها الشيطان وعظمها فيك، لكنك بالله أقوى ولا بديل عن هذا الطريق.

ثالثًا: مسح رقم الشاب من جوالك نهائيًا، وتبديل رقمك، وتغيير كل وسيلة تواصل كانت بينك وبينه، ومسح كل الرسائل التي كانت بينكما.

رابعًا: لا تتحدثي مع أحد عن هذا المعصية، واستري على نفسك، ولو أتاك صالح للزواج وسألك هل قمت في أي مرة بالتواصل مع أي شاب فلا تخبريه، اجعلي هذا بينك وبين الله، وقد تبت والله يستر، لكن العباد لا يسترون ولا ينسون.

رابعًا: الفتيات اللاتي يعرفن بهذا الأمر لا تقطعي علاقتك بهم ولا تعمقيها، بل اجعليها على الحد الأدنى من التعارف، وكلما مر وقت ابدئي بالانسحاب التدريجي دون أن تحدثي قطيعة، وثقي أن الله سيكون معك، وأن الله سيسترك، وأن الوقت جزء من العلاج لو تأملت.

خامسًا: الله أكرم من أن يسترك على المعصية ويفضحك على التوبة، فأحسني الظن بالله تسعدي، وتفاءلي بالخير تجديه.

سادسًا: ابتعدي عن الفراغ وعن الوحدة، واجتهدي في شغل كل أوقاتك إما: بالعلم، أو الدراسة، أو الاستماع للمحاضرات، أو الحديث مع الوالدة، المهم ألا تنفردي مع جوالك ولا مع غرفتك، ولا تسمحي للفراغ أن يسحبك من هذا العالم.

سابعًا: اجتهدي في الاقتراب من الأخوات الصالحات، ووثقي علاقتك بهن، فإنهن أعوان لك على الطاعة.

ثامنًا: اجعلي لك وردًا ثابتًا ولو قليلًا من القرآن والذكر، وصلاة الليل، اجعلي البداية بسيطة في تلك الأوراد ثم زيدي رويدًا رويدًا.

هذه نصيحتنا الصادقة لك، فلا تهمليها ولا تؤخريها، ولا تقولي أنتظر الوقت المناسب؛ لأن هذا الوقت لن يأتِ -أختنا الفاضلة-.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً