الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن رهن عبدا فأعتقه وهو في الرهن]

                                                                                                                                                                                        وإذا أعتق الراهن بعد حوز الرهن وهو معسر، فقال العبد أو أجنبي من الناس: خذوا دينكم ولا يرد في الرق، كان ذلك له ولا مقال للمرتهن، وإن قال الأجنبي أو العبد: إنما قضيت لأرجع على السيد، كان ذلك له؛ لأن السيد رضي أن يعتق ويبقى الدين في ذمته يتبع له، فهم يتبعونه بما رضي أن يتبع به.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الزناد في العبد: ليس له ذلك ولا يجيء قوله على أصل المذهب .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن رهن رهنا، فقال: إن مضت هذه السنة ولم أقض فقد خرج من الرهن.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: ليس برهن في السنة ولا بعدها .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون رهنا إن قيم عليه في السنة ولا يكون بعدها، وإن قال: هو رهن في السنة الثانية دون الأولى كان كما شرط، فإن فلس في السنة الأولى دخل عليه فيه الغرماء، وإن فلس في السنة الثانية كان أحق به.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا قال له الراهن أنا مبدى منه بمائة دينار، كان كما شرط ويكون المرتهن أحق بما زاد على المائة، فإن لم يوف بدينه ضرب بالباقي مع الغرماء في تلك المائة، وإذا أقر الراهن بعد الحوز وهو موسر أن الرهن لفلان، كان للمقر له أن يأخذه ويتعجل الراهن الدين، وإن كان معسرا لم يجز إقراره وكان المقر له بالخيار بين أن يضمن للراهن قيمته أو يؤخر ذلك إلى الأجل، [ ص: 5744 ] فإن كان معدما بيع للمرتهن وكان المقر له بالخيار بين أن يتبع الراهن بقيمته يوم تعدى أو بما بيع، ولو لم يتعد وقال: عملت بذلك بعد الرهن، لم يكن عليه أن يتعجل الدين، ولم يكن للمقر له على الرهن سبيل حتى يحل الأجل فيقضي الدين؛ لأن المقر يقول: لم أتعد في الرهن فيلزمني تعجيل الدين، والمرتهن يقول: لا يجوز إقراره علي بما يخرج الرهن ولم أقبض الدين، فإن حل الأجل والغريم معسر، بيع ولم يتبع الراهن بما بيع به، ولا ينظر إلى قيمته يوم كان وضع الراهن يده عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن أقر أنه جنى عند المرتهن، لم يجبر على أن يفتديه، ولم يجز إقراره على المرتهن إن قال: أنا أسلمه ولا أفتديه ويبقى في الرهن، فإن حل الأجل وهو موسر قضى الدين وأخذه المقر له بالجناية، وإن كان معسرا بيع في الدين وأتبعه المجني عنه بقدر ما قضى عنه من الدين، وإن اعترف أنه جنى قبل الرهن ولم يعلم حتى خفى رهنه، فكذلك إن كان عالما وقال: أفتديه، كان كإقراره أنه لفلان.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: يجبر على أن يعجل الدين ويأخذ المقر، وإن كانت الجناية أكثر من قيمته كان للمجني عليه أن يحلفه أنه لم يرهنه رضا بتحمل الجناية، وإن كان معسرا بيع في الدين وأتبعه المقر له بالأكثر من قيمته يوم رهنه أو بما بيع به.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن غصب عبدا ثم جنى عنده ثم رده إلى سيده: فإن سيده بالخيار بين أن يضمن الغاصب ثم يكون الغاصب بالخيار بين أن يفتديه أو يسلمه، وإن أحب سيده أن يفتديه من المجني عليه ولا يتبع الغاصب بشيء .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن الجناية لما لم تكن من الغاصب كانت كعيب نزل به لا سبب [ ص: 5745 ] للغاصب فيه فكان المغصوب منه بالخيار بين أن يأخذه بعيبه ولا شيء له أو يضمن.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: المغصوب منه بالخيار بين أن يسلمه في الجناية أو يفتديه ويرجع في كلا الأمرين على الغاصب بالأقل من قيمة العبد أو قيمة الجناية؛ لأن الغاصب لا ينفك من ذلك فإما أن يفتديه أو يسلمه لسيده فهو يغرم الجناية أو يسلمه في الجناية فهي قيمة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية