الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
832 - وعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ والمرسلات عرفا ، متفق عليه .

التالي السابق


832 - ( وعن أم الفضل بنت الحارث قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ والمرسلات عرفا ، أي : أحيانا لبيان الجواز ، وإلا فالمستحب فيها قراءة قصار المفصل ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه الأربعة .



833 - وعن جابر رضي الله عنه ، قال : كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ، ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان ؟ قال : لا والله ، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا أصحاب نواضح ، نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ، ثم أتى قومه ، فافتتح بسورة البقرة . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ ، فقال : " يا معاذ ! أفتان أنت ؟ اقرأ : والشمس وضحاها ، والضحى ، والليل إذا يغشى ، و سبح اسم ربك الأعلى ، متفق عليه .



833 - ( وعن جابر قال : كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ) ، أي : في مسجده ( صلى الله عليه وسلم ) ، أي : العشاء الأخيرة ، ثم يرجع إلى قومه يصلي بهم تلك الصلاة ، ولفظ البخاري : فيصلي بهم الصلاة المكتوبة ، كذا في الشمني شرح النقاية ، ( ثم يأتي ) ، أي : مسجد الحي ( فيؤم قومه ) ، قال القاضي الحديث يدل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل فإن من أدى فرضا ثم أعاد يقع المعاد نفلا قال ابن الملك : وبه قال الشافعي ، وفيه أن النية أمر لا يطلع عليه إلا بإخبار الناوي ، فجاز أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بنية النفل ليتعلم منه سنة الصلاة ويتبارك بها ، ويدفع عن نفسه تهمة النفاق ، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض لحيازة الفضيلتين ، مع أن تأخير العشاء أفضل على الأصح ، والحمل على هذا أولى ؛ لأنه المتفق على جوازه بخلاف ما سبق ، قال القاضي : ويدل على أن من أدى الفريضة بجماعة جاز إعادتها ، قلت : ثبت العرش ثم انقش ( فصلى ) ، أي : معاذ ( ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى قومه فأمهم ، فافتتح بسورة البقرة ) ، أي : بعد الفاتحة أو بسورة البقرة وفاتحتها ( فانحرف رجل ) ، أي : مال عن الصف فخرج منه ، أو انحرف من صلاته عن القبلة والرجل حزام بن أبي كعب الأنصاري ، أو أراد الانحراف ( فسلم ) ، قال ابن حجر أي قطع صلاته لا أنه قصد قطعها بالسلام ، كما يفعله بعض العوام ؛ لأن محل السلام إنما هو آخرها فلا يجوز تقديمه على محله ، ويحتمل أن ذلك الرجل فعل ذلك ظنا منه أن هذا محله ، ولا حجة فيه ؛ لأنه من ظنه واجتهاده الذي لم يطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون حجة لما يفعله بعض العامة ، قلت : وإنما يفعله الخواص من العلماء تبعا لما فعله الصحابة رضي الله عنهم ، وإن اختلفوا في أن مريد القطع هل يسلم قائما بتسليمة واحدة أو بتسليمتين ، أو يعود إلى القعدة ثم يسلم ، فالتسليم بما ورد أسلم والله سبحانه أعلم .

( ثم صلى وحده ) ، أي : استأنف الصلاة منفردا ؛ لأنه لم يعلم أنه لو فارق بالنية وانفرد وأتم بلا استئناف لجاز فيه ذلك ، ذمه ابن الملك ، وفيه توهم جواز نية المفارقة عندنا ، وليس كذلك ، بل المذهب أنه يستأنف ( وانحرف ) ، أي : خرج من المسجد ( فقالوا ) : أي قومه له : ( أنافقت يا فلان ؟ ) ، أي : أفعلت ما فعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة والتخفيف في الصلاة قالوه تشديدا له قاله الطيبي ( قال : لا والله ، ولآتين ) : إما معطوف على الجواز ، أي : والله لا أنافق ولآتين ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : وإما إنشاء قسم آخر والمقسم به مقدر ، وأما قول ابن حجر المقسم عليه لآتين ، فخطأ نشأ من عدم تصحيح الأصل ، فإنه في النسخ المصححة ولآتين بالواو ( فلأخبرنه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا أصحاب نواضح ) : جمع ناضحة أنثى ناضح ، وهي الإبل التي يستقى عليها للشجر والزرع ( نعمل بالنهار ) ، أي : نكد فيه بعمل الزراعة لأجل أمر المعايش الذي يتوسل به إلى أمر المعاد ، وأما قول ابن حجر : وذلك عمل مشق جدا ولو بعض النهار ، فكيف ونحن نعمل ذلك بالنهار جميعه ، فغير مقبول لعدم دلالة في الحديث عليه ( وإن معاذا صلى معك العشاء ، ثم أتى ) ، أي : قومه كما في نسخة صحيحة ( فافتتح بسورة البقرة ) : يحتمل أنه أراد معاذ أن يقرأ بعضها ويركع ، فتوهم المقتدي أنه أراد إتمامها فقطع صلاته ، فعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيهامه ذلك ، فإنه سبب للتنفير ، ونظير ذلك وقع لخواجه كله كوى ، وهو من مشايخ خراسان وكان مترافقا مع مولانا جامي في سفر الحج ، وكان من عادته إطالة القراءة خصوصا في صلاة الصبح ، فيوما من الأيام وهما في برية فيها برد شديد دخلا في صلاة الفجر ، فابتدأ بسورة الفتح فاضطرب المقتدي اضطرابا قويا ، فلما قرأ ثلاث آيات ركع وعد [ ص: 691 ] هذا من ملاطفاته ومطايباته ، وفي المصابيح : أن معاذا صلى بنا البارحة ، أي : الليلة الماضية فقرأ البقرة ، فتجوزت أي من صلاتي يعني اختصرتها وخففتها ، وقيل : ترخصت بترك المتابعة ، وقيل : من الجوز بمعنى القطع ، وهذا يدل على أن المأموم إذا عرض له أمر له أن يخرج من إمامة الإمام ويتمها لنفسه بالاستئناف ، فزعم : على بناء المفعول ، أي : زعم الناس أني منافق ، ( فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ ) : إقبال إعراض ، قال ابن حجر : يحتمل أنه أي الرجل ذهب إليه عليه السلام في تلك الساعة فتبعه معاذ ، ويحتمل أنه ذهب إليه غدوة ومعاذ حاضر ، قلت : ويحتمل أنه ذهب إليه ليلا أو نهارا وذكر له ، ولما حضر معاذ أقبل إليه عليه السلام ( فقال : " يا معاذ ) : خطاب عتاب ( أفتان ) ، أي : أمنفر ( أنت ؟ ) : وموقع للناس في الفتنة ، قال الطيبي : استفهام على سبيل التوبيخ ، وتنبيه على كراهة صنعه لأدائه إلى مفارقة الرجل الجماعة فافتتن به ، في شرح السنة ، الفتنة : صرف الناس عن الدين وحملهم على الضلالة ، قال تعالى : ما أنتم عليه بفاتنين ، أي : بمضلين ( اقرأ : والشمس وضحاها ) ، أي : في الركعة الأولى ( والضحى ) ، أي : في الركعة الثانية ، كما دل عليه فعله عليه السلام ( والليل إذا يغشى ) : و ( سبح اسم ربك الأعلى ) : الواو فيه لمطلق الجمع فلا إشكال أو بمعنى اقرأ هذه السورة وأمثالها من أوساط أوساط المفصل ، وفيه دلالة على سنية تخفيف الإمام للصلاة وأن يقتدي بأضعفهم ، قال ابن حجر : يحتمل مع كل أن الأولى للركعة الأولى ، والثانية للثانية ، وحينئذ يكون لبيان الجواز ؛ لأن السنة عندنا كون السورتين متواليتين ، والقراءة على ترتيب المصحف ، وخلافه قيل : مفضول ، وقيل : خلاف الأولى قال أئمتنا : فلو قرأ في الركعة الأولى : قل أعوذ برب الناس قرأ في الثانية أوائل البقرة .

فإن قلت : ما في الحديث يرد ذلك وينافيه ، قلت : لا منافاة ، بل هذا محمول على مطلق بيان أن المتأكد على الإمام لغير محصورين راضين بالتطويل أن يخفف فمثل عليه السلام بتلك السور وما اقتضاه ظاهر السياق من عدم ندب الترتيب والموالاة غير مراد ، كما علم من فعله الذي أمرنا باتباعه بقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .

فإن قلت : لو قرأ على غير ترتيب الآي أثم فما الفرق ؟ قلت : فرقوا بأن ترتيب السور ، قيل : ظني ؛ لأنه من اجتهاد الصحابة بعده عليه السلام ، بخلاف ترتيب الآيات فإنه توقيفي قطعي ، فميز القطعي بحرمة مخالفته بخلاف الظني ، ويفرق أيضا بأن عكس الآي مخل بالإعجاز الذي هو أعلى مقاصد القرآن بخلاف عكس السور اهـ ، ويفرق أيضا بأن عكس الآي مخل بالمعنى غالبا ، فلا يحل بخلاف العكس والله أعلم ، ( متفق عليه ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي .




الخدمات العلمية