الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ويحسن خفض الصوت من عاطس وأن يغطي وجها لاستتار من الردي

( ويحسن ) يعني يسن ويندب ( خفض ) - ضد الرفع - الصوت الخارج ( من عاطس ) في حالة عطاسه إلا بقدر ما يسمع جليسه ، وهذا معنى كلام الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية أبي طالب وأحمد بن أصرم ( و ) يحسن بمعنى يسن من العاطس ( أن يغطي ) أي يخمر ( وجها ) منه ( ل ) أجل ( استتار ) هـ ( من ) إيصال ( الردي ) يعني الأذى الذي يخرج منه بسبب العطاس إلى غيره فيؤذيه .

قال ابن عقيل : ويبعد من الناس . واستغرب ذلك شيخ الإسلام . وقال الشيخ عبد القادر قدس الله سره : ولا يلتفت يمينا ولا شمالا . انتهى .

وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بثوبه ويده ثم غض لها صوته } . قال الحجاوي في تغطية وجه العاطس لئلا يخرج من فمه شيء يؤذي جلساءه من بصاق وغيره أو يخرج شيء يفحش منظره . انتهى .

قال ابن هبيرة رحمه الله ورضي عنه : قال بعض الأطباء : العطاس لا يكون أول مرض أبدا إلا أن يكون زكمة . قال ابن هبيرة : فإذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته .

( و ) حينئذ ينبغي له أن ( يحمد ) الله سبحانه وتعالى على صحته واستقامة قوته ( جهرا ) ليسمع تحميده من عنده ( وليشمته ) أي العاطس ( سامع لتحميده ) الصادر منه وجوبا ، فاللام للأمر ويشمت مجزوم بها ، وهو قوله الحمد لله ومعنى شمته بالمعجمة والمهملة دعا له بقوله يرحمك الله أو يرحمكم الله .

قال في القاموس والتسميت بالمهملة ذكر الله تعالى على الشيء والدعاء للعاطس ولزوم السمت وقال والتشميت بالمعجمة التسميت والجمع والتحنين . انتهى .

قال في الآداب التشميت بالمعجمة هي الفصحى ومعناها أبعدك الله عن الشماتة . قال ابن الأنباري : كل داع بخير فهو مشمت . قال في النهاية هما الدعاء بالخير والبركة ، والمعجمة أعلاهما والشوامت قوائم الدابة .

[ ص: 442 ] وقاله في القاموس . يقال لا ترك الله لها شامتة أي قائمة . انتهى . وبهما جاء الحديث .

قال في مفتاح دار السعادة : التسميت بالمهملة تفعيل من السمت الذي يراد به حسن الهيئة والوقاية ، فيقال لفلان سمت حسن ، فمعنى سمت العاطس وقرته وأكرمته وتأدبت معه بإذن الله ورسوله في الدعاء له . وقيل سمته دعا له أن يعيده الله إلى سمته قبل العطاس من السكون والوقار وطمأنينة الأعضاء فإن في العطاس من انزعاج الأعضاء واضطرابها ما يخرج العاطس عن سمته ، فإذا قال له السامع يرحمك الله فقد دعا له أن يعيده الله إلى سمته وهيئته .

وأما التشميت بالمعجمة فقال ابن السكيت وجمع : أنه بمعنى التسميت وأنهما لغتان . ذكره في كتاب القلب والإبدال ولم يذكر أيهما الأصل ولا أيهما البدل وقال أبو علي الفارسي : المهملة الأصل في الكلمة ، وعكس تلميذه ابن جني ; لأن الشوامت التي هي القوائم هي التي تحمل الفرس ونحوه وبها عصمته وهي قوامه ، فكأنه إذا دعا له فقد نهضه وثبت أمره وأحكم دعائمه وأنشد النابغة :

    طوع الشوامت من خوف ومن صرد

وقالت طائفة منهم ابن الأعرابي : هو من قولهم أشمت الإبل إذا حنت وسمنت . وقالت فرقة أخرى : معنى شمت العاطس أزلت عنه الشماتة . انتهى ملخصا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية