الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة السابعة

[ هل يصير زوج المرأة أبا للمرضع ؟ ]

وأما هل يصير الرجل الذي له اللبن ( أعني : زوج المرأة ) أبا للمرضع ، حتى يحرم بينهما ومن قبلهما ما يحرم من الآباء والأبناء الذين من النسب وهي التي يسمونها لبن الفحل ؟ ، فإنهم اختلفوا في ذلك ، فقال مالك وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد والأوزاعي ، والثوري : لبن الفحل يحرم . وقالت طائفة : لا يحرم لبن الفحل . وبالأول قال علي ، وابن عباس ، وبالقول الثاني قالت عائشة ، وابن الزبير ، وابن عمر .

وسبب اختلافهم : معارضة ظاهر الكتاب لحديث عائشة المشهور ( أعني : آية الرضاع ) . وحديث عائشة هو : قالت : " جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن علي بعد أن أنزل الحجاب ، فأبيت أن آذن له ، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه عمك فأذني له ، فقلت : يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل ، فقال : إنه عمك فليلج عليك " خرجه البخاري ومسلم ومالك .

فمن رأى أن ما في الحديث شرع زائد على ما في الكتاب ، وهو قوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) ; وعلى قوله صلى الله عليه وسلم : " يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة " قال : لبن الفحل محرم .

ومن رأى أن آية الرضاع وقوله : " يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة " إنما ورد على جهة التأصيل لحكم الرضاع ; إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال : ذلك الحديث إن عمل بمقتضاه أوجب أن يكون ناسخا لهذه الأصول ، لأن الزيادة المغيرة للحكم ناسخة ، مع أن عائشة لم يكن مذهبها التحريم بلبن الفحل ، وهي الراوية للحديث ، ويصعب رد الأصول المنتشرة التي يقصد بها التأصيل والبيان عند وقت الحاجة بالأحاديث النادرة وبخاصة التي تكون في عين ، ولذلك قال عمر رضي الله عنه في حديث فاطمة بنت قيس : لا نترك كتاب الله لحديث امرأة .

التالي السابق


الخدمات العلمية